taouiala
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

آداب الدَّين والاستدانة

اذهب الى الأسفل

آداب الدَّين والاستدانة Empty آداب الدَّين والاستدانة

مُساهمة  djamal الجمعة مايو 07, 2010 8:46 pm

آداب الدَّين والاستدانة Alhabib
علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري

أيها الإخوة المؤمنون.. سنتحدث اليوم عن مبحث من أهم المباحث الاجتماعية والاقتصادية.. هو سبب من أسباب الفقر وسبب من أسباب الثراء.. وهو سبب من أسباب التواصل وسبب من أسباب التقاطع والتدابر.. ألا وهو قضية الدَّين وآداب الدَّين.. الاستدانة والاستقراض.. أحكام القرض.. آداب القرض.. واجب الوفاء.. حكم المماطلة في قضاء الدَّين.
وسنوزع البحث على هذه النواحي:

الناحية الأولى: ثواب الإقراض من الله -تبارك وتعالى-.

الناحية الثانية: التحذير من الاستدانة والاستقراض.

الناحية الثالثة: وجوب الوفاء والتحذير من المماطلة في الوفاء.

وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا.

وهذا الموضوع كما تعرفون من أهم المواضيع، وأبواب المحاكم مشروعة مفتوحة يردها المتخاصمون صباح مساء، والعلاقات الاجتماعية فيما بيننا قد تقطعت منها الأواصر بسبب الدَّين أو الاستدانة.
أول ما ينبغي أن نبدأ بالحديث عنه هو حث الإسلام على الإقراض، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثواب الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر) فجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثواب القرض زائداً عن ثواب الصدقة، ما العلة في ذلك؟.. العلة في ذلك من عدة أوجه؛ أول تلك الأوجه أن الإنسان يتصدق بالقليل لكنه إذا أقرض قد يقرض كل ما عنده من مال، إذا تصدق يتصدق بعشر ما عنده أو بربع العشر، بالقليل جداً، وهو يعلم أنه مستغن عنه ولا يحتاجه، فإذا خرج عن ملكه لم ينظر إليه ولم يتبعه نفسه، لكنه قد يدخر شيئاً من المال يحتاجه لقادمات الأيام، قد يدخر مالاً لشراء دار.. قد يدخر مالاً للسفر.. قد يدخر مالاً للتجارة.. فيأتيه محتاج فيقول له: أقرضني هذا المال، فيقرضه جميع ما ادخره من المال وهو محتاج إليه، فالقرض عظيم والصدقة يسيرة، فلذلك كان ثواب القرض أعظم من ثواب الصدقة.
الوجه الآخر أن الإنسان لا يتوقع أن يرجع إليه المال الذي يتصدق به، ولكنه يتوقع رجوع المال الذي يقرضه، فهو ينتظره ونفسه معلقة به.. ولم يترك أهل الأمثال ولا العامة في بلادنا شيئاً من المعاني إلا طرقوه، يقولون: (المال شقيق الروح) ويتبعون ذلك بكلام هو من كلام العامة لا يصلح أن يضرب هنا مثالاً يحتذى: (ومن أخذ مالك خذ روحه) هكذا يقولون، وهذا لا يجوز..
تعلق الإنسان بالمال تعلق شديد، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى لما أراد منك أن تنفق في سبيله -عز وجل- ما طلب منك أن تعطيه ما أعطاك، وإنما رغب إليك سبحانه أن تبيعه ما وهبك، لأنك تدعي ملكه، ولأنك متعلق به، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ..﴾[التوبة : 111]، وقال سبحانه: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً..﴾ [البقرة : 245]، والكلام في الصدقة، لكن المسألة تدور حول رجوع الثواب إليك.. حول رجوع المال إليك مضاعفاً.. لأن نفسك تعلقت به.. والإنسان يصعب عليه أن يخرج عما تعلق به تعلقاً شديداً؛ ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ولكن الآية تأتي بالتتمة: (والباقيات الصالحات) في بعض الروايات: (لا إله إلا الله)، وفي بعض الروايات: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾ [الكهف : 46].
لذلك يتعلق الإنسان بالمال، فإذا أقرض قرضاً يحب أن يرجع إليه هذا القرض وخاصة وقت الضيق عند الإفلاس.. والتجار يقولون في بلاد الشام: التاجر إذا أفلس يرجع إلى الدفاتر القديمة، يرجع إلى الحسابات القديمة.. فلان عنده لنا كذا وكذا.. فلان أقرضناه كذا.. وإن كان ذلك منذ سنوات بعيدة فإنه يبدأ بالتفكير في استعادة ماله الذي أقرضه للناس.. ولذلك كان ثواب القرض أعظم من ثواب الصدقة.. (ثواب الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر ضعفاً) كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ولكن مع كل هذا، الإسلام حذر من الوقوع تحت الدَّين.. حذر الإسلام من الاستدانة.. فقد ثبت في الصحيحين: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في أول الإسلام إذا أتي بالجنازة يسأل: هل على صاحبها من دين؟ فإن قالوا: لا، صلى عليها، وإن قالوا: نعم، أبى أن يصلي حتى يوفى الدَّين) لخطر الدَّين وعظمه.. إلى أن اتسعت الأرزاق.. والسيرة النبوية وحياة المسلمين في المدينة المنورة تدور بين مرحلتين؛ قبل فتح خيبر وبعد فتح خيبر.. بعد فتح خيبر: اتسعت الأرزاق على المسلمين، وكثرت الأموال بين أيدي صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فهما حقبتان.. لذلك كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا جاءت الجنازة وعلى صاحبها دين يقول: (من ترك مالاً أو ضياعاً -أي أولاداً يضيعون أو يخشى أن يضيعوا- فعلي) فكان النبي-عليه الصلاة والسلام- يقوم بوفاء الدَّين.
وهذا من الأحكام الشرعية التي ثبتت في كتب الفقه، وذلك أن الإنسان إذالم يكن عنده مال يشتري به طعامه وشرابه ماذا يصنع؟.. وهو يعيش في حي من الأحياء، وفي هذا الحي بقالية، والناس عادة يعرفون الفقراء والضعفاء في الحي، فإذا جاء إلى البقال يريد أن يشتري الحليب أو اللبن، أو يشتري الخبز أو الجبن، أو شيئاً من الطعام ولا مال عنده قال: يقرضه.. لماذا يقرضه؟.. لأنه يعلم إن لم يكن عنده وفاء فإن بيت المال يفي عنه.. بيت المال يفي ويسد الدَّين عن الفقراء في الضروريات.. فلو خرج هذا البقال إلى بيت المال بعد عام وقال: فلان قد اقترض مني كذا وكذا طعاماً وشراباً، وجيء بفلان وقال: ما عندي سداد هذا الدَّين، ما عندي ما يكفيني لطعامي، فإن بيت المال يسد ذلك الدَّين.. لكن هذا في الضروريات وما يلتحق بالضروريات من الحاجيات.
وأنا أحب أن أتعرض لهذا الموضوع في مثل هذه الإيام لما قدمتُه من كثرة الخلافات فيما بين الناس بسبب الدَّين.. ثم لانتشار المصارف والبنوك.. لانتشار المعاملات الربوية، وتشجيع المصارف الناسَ على الاستدانة والاستقراض للتجارة والربح والاستثمار أو للكماليات.. وهذا لا يجوز في الإسلام.. كيف يرقأ لك جفن أم كيف يطيب لك نوم وأنت أيها الأخ المسلم تحت ربقة الدَّين عليك الآلاف المؤلفة؟!.. تنام كل مساء وتقوم كل صباح وأنت تحت الدَّين؟!.. ألا تفكر أنه يجب عليك الوفاء؟!.. هذا إذا كان الدَّين حقاً في طعام وشراب، أما أن يستدين الإنسان للكماليات؟!.
الآن يشجعون الناس للاستدانة.. فإذا أراد أن يشتري الرائي (التلفزيون) وليس عنده مال يمكن أن يشتريه بالدَّين!.. إذا أراد أن يوسع تجارته يمكن أن يستدين!.
والبلاء الأعظم أن الاستدانة إنما تكون بالربا التي يسمونها الفائدة!.. هذا من تغيير اسم الحرام.. من تسمية الأشياء بغير مسمياتها.. وقد جاء إلينا هذا من البلاد الأجنبية باللغات الأجنبية.. الربا تسمى (usury) باللغة الإنكليزية.. وهذه الكلمة مثل كلمة الربا.. كلمة ذات مدلول سيئ.. ذات معنى قبيح مرتبط باليهود المرابين.. ولا شك أنكم تعرفون قصة الأديب الإنكليزي شكسبير: (تاجر البندقية) وهو يمثل فيها جشع اليهود وطمعهم، حيث أراد ذلك اليهودي أن يأخذ رطلاً من لحم ذلك الرجل الذي أقرضه المال حسب الشرط لما عجز عن الوفاء.. فكلمة: (usury) باللغة الإنكليزية تساوي كلمة الربا باللغة العربية.. وهي كلمة يفرون منها وينفرون عنها.. ولما أرادوا إشاعة نظام الربا في أواخر القرن التاسع عشر ابتدؤوا بتغيير الأسماء ووضع أسماء جديدة لهذه المسميات.. فالمسميات واحدة ولكن الأسماء مختلفة..

فاستخدموا كلمة: (interest) معناها: الفائدة.. فترجمت مع ما ترجم مما جاءنا من الغرب في أوائل القرن العشرين إلى الفائدة.. وصار الحديث في بلادنا عن الفوائد.. فوائد البنوك.. ولا شك أن الفائدة تعود عليك بالخير، لكن هذا ربا لا فائدة.. والربا حرام قليله وكثيره.. وقول الله -تبارك وتعالى- قاطع في ذلك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴾[البقرة : 278-279].. إعلان وإيذان بالحرب على كل من يأكل الربا قليلاً كان أم كثيراً.
أما أولئك الذين يحاولون الاجتهاد في هذا العصر ويقولون: الربا الحرام هو الربا الكثير أما الربا القليل فليس بحرام، ويستدلون بقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً.. ﴾[آل عمران : 130]، فنقول لهم: من يقول هذا الكلام لا يعرف اللغة العربية ولا يعرف أصول الفقه ولا يعرف ضوابط الاستنباط وقواعد الاجتهاد.. لأن هذا القيد خرج مخرج الأعم الأغلب للترهيب من الربا، ولرسم صورتها المنطبعة في أذهان الناس قبل الإسلام، ولبيان أن القليل يؤدي إلى الكثير.. فالعشرة بالمئة تؤدي إلى العشرين.. والعشرون تقود إلى الثلاثين، وهكذا.. إلى أن يصير الربا أضعافاً مضاعفة.
وفي هذه الآية لا عمل بمفهوم المخالفة، مَثَل هذا مَثَل قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ ﴾[النساء : 23]، فالربيبة بنت الزوجة.. هل يجوز للرجل أن يتزوج بنت زوجه؟.. لا يجوز له ذلك سواء كانت في حضانته أم لم تكن في حضانته.. سواء أكانت في بيته أم لم تكن في بيته.. لا يجوز له الزواج بابنة زوجه.. ولكن لماذا جاء القيد هنا: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)؟.. لأن القيد خرج مخرج الأعم الأغلب.. لأن الحالة العامة أن بنت المرأة عند زواج أمها بزوج آخر تعيش معها.. فكذلك الأمر في قول الله -تبارك وتعالى-: (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) خرج القيد مخرج الأعم الأغلب.

فليحذر الناس أشد الحذر من المعاملات المصرفية الربوية.. وكم رأينا من التجار ممن اقترض من البنوك ثم ذهبت البركة من تجارته فأفلس بعد ذلك إفلاساً شديداً، ومنهم من مات ولده، ومنهم من طلق زوجه.. وقد رأينا منهم من اشترى داراً بالربا فأذهب الله -تبارك وتعالى- البركة من حياته.. لأنها حرب من الله -تبارك وتعالى- مستمرة.
فليحذر الناس أشد الحذر في هذا العصر عصر سيطرة المصارف والبنوك على المعاملات الاقتصادية من الاقتراض من البنوك بالربا.. لا حاجة لك إلا في الطعام والشراب ورزقك على الله -تبارك وتعالى- وهو القائل سبحانه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.. ﴾[الطلاق : 2-3].. هل جربت بدل أن تلتجئ إلى البنك أو إلى المصرف للاقتراض هل جربت صلاة ركعتين في آناء الليل؟.. هل جربت التضرُّع إلى الله -تبارك وتعالى-؟.. هل جربت الالتجاء إليه -سبحانه- لفك ما أنت فيه من الضيق؟.. لسداد ما عليك من الدَّين؟.. هل جربت ذلك في يوم من الأيام؟.. ما من أحد جرب ذلك وخاب وخسر.. إن الله -تعالى- بسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، وبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل.. ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ ﴾.. ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾[نوح : 10-11-12].
أيها الإخوة المؤمنون.. ينبغي أن نحذر أشد الحذر من الرزوح تحت ثقل الدَّين.. لا يجوز للإنسان أن يستدين لغير حاجة.. ثم إذا استدان بعد ذلك ووقع تحت الدَّين يجب عليه الوفاء والسداد عند الوقت وقبله إذا استطاع.. يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: (مَطل الغني ظلم) [(مطل - يمطل) من باب: (نصر - ينصر)، فالمَطْل بفتح الميم، وهذا مما يمتحن به طلاب العلم من أصحاب الدعوى].. فالمطل هو المماطلة في سداد الدَّين.. والغني هو المليء الذي عنده ما يكفيه لسداد الدَّين.. فمن استدان يجب عليه الوفاء ولا تجوز له المماطلة.. و المماطل لا يمكن أن يبارَك له في طعامه ولا في شرابه ولا في رزقه ولا في تجارته إذا كان عنده من المال ما يكفي لسداد الدَّين.. وشر ذلك في هذا العصر أن الناس يستدينون للتجارة!.. يستدين المال ثم بعد ذلك يتجر به ولا يرجع بالمنفعة على صاحبه.. فإذا جاء صاحب المال يقول: أد إلي مالي، يقول له: ما عندي مال!.. يشتري السيارة ويقول: ما عندي مال!.. يوسع داره ويقول: ما عندي مال!.. يشتري كل ما يريد ويقول: ما عندي مال!.. ماذا تنتظر؟!.. (مطل الغني ظلم) و (الظلم ظلمات يوم القيامة).
ومعظم الخلافات الاجتماعية فيما بين الناس وفيما بين التجار بوجه خاص إنما هي بسبب عدم الوفاء بالدَّين.. وإذا كان لك صديق وأردت أن تمتحنه قل له: أريد أن أستدين منك كذا وكذا من المال، بعد ذلك لا تراه.. لماذا؟.. لأن الأمانة قد ضاعت.. كل واحد منا يعلم أنه إذا أقرض أحداً شيئاً من المال فإن هذا المال لن يرجع إليه.. وكأن هذا المال قد خرج وهلك!.. قليل جداً هم أصحاب الأمانة في هذا العصر ممن يرُدُّ الدَّين ويفي بما وعد.. سنتحدث عن الوفاء بالوعد في الخطب القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى.
ينبغي للإنسان أن يعيش بما هو متوفر عنده.. (على قد فراشك مد رجليك) كما يقول أهل دمشق في الأمثال العامية.. ينبغي للإنسان أن يعيش بما عنده ولا يجوز للإنسان أن يتوسع فيما لا قدرة له عليه.. وهذا من نتائج فن الإعلان وفن الدعاية.. الإعلانات التي توضع في التلفزيون وفي الطرقات الآن تجعلك تشعر بأنك تحتاج إلى كل ما يعرضونه وأنت في الحقيقة لا تحتاج إليه.. ما عندك من المال ما تشتري به ولكن زوجك تقول: اشتر وولدك يقول: اشتر، فتستقرض وتشتري ما لا تحتاج إليه!.. وهذا خطأ كبير.
تغيرت الثقافة.. هذه هي الثقافة الغربية.. وهذا الأمر يتوسع من الأفراد إلى الجماعات.. الولايات المتحدة الأمريكية الآن ترزح تحت وطأة الدَّين.. وديونها تقدر بتريليونات من الدولارات بسبب العجز في الميزان التجاري ما بين المستوردات والمصدرات.. والدَّين لمن؟.. للصين ولتايوان ولألمانيا ولليابان ولدول أخرى ذات اقتصادات قوية.. وحال الاقتصاد الأمريكي هذا إذا استمر سيؤدي إلى انهيار أمريكا.. لأن أمريكا الآن تسيطر على العالم بالقوة العسكرية وبقوة الدولار، وليس هناك من الذهب في العالم ما يكفي لتغطية الدولار.. تقول بعض الدراسات: لو جمع الذهب كله، الذي على وجه الأرض والذي استخرج من لدن آدم إلى عصرنا هذا، وأردنا أن نغطي به العملات الورقية الموجودة المستندة إلى الدولار لما كفى عشر ذلك!.. ولذلك يقول خبراء الاقتصاد: قيمة الذهب الحقيقية عشرة أضعاف ما هي عليه الآن، وسيتبين هذا عند انهيار الدولار، سيرتفع سعر الذهب عشرة أمثال ما هو عليه الآن.
لكن السبب في انهيار الاقتصاد الأمريكي فيما نراه -والله أعلم- إنما هو الدَّين الذي أثقل ظهر الولايات المتحدة الأمريكية.. وهذا الدَّين يرجع إلى الأفراد في أمريكا.. البطاقات الائتمانية.. كل من عنده عمل وعنده بطاقة يستطيع أن يشتري بالدَّين كل ما يشاء.. وهذا خطأ؛ يشتري الإنسان ما يستطيع وفاءه، ما يستطيع سداده بغير ربا.
والربا لا يجوز بجميع الأحوال.. والقناعة من أعظم ما حث عليه الإسلام.. ومن أعظم ما حث عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ارض بما قسم الله لك تكن أعبد الناس) كما قال -عليه الصلاة والسلام-.. وقال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى ﴾[الضحى : 4].. وقال الله -تبارك وتعالى- مبيناً حال الناس: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * والْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[الأعلى : 16-17]، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه سميع قريب مجيب، والحمد لله رب العالمين.
djamal
djamal

عدد المساهمات : 134
تاريخ التسجيل : 26/11/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى